"لا أرض أخرى"- فيلم فلسطيني يفضح الاحتلال ويُقصى أمريكياً

المؤلف: أحمد طويج09.15.2025
"لا أرض أخرى"- فيلم فلسطيني يفضح الاحتلال ويُقصى أمريكياً

في إنجاز تاريخي، توّج الفيلم الوثائقي الفلسطيني الإسرائيلي المشترك "لا أرض أخرى" بجائزة الأوسكار المرموقة لأفضل فيلم وثائقي في حفل بهيج أقيم يوم الأحد الفائت، مسجلاً بذلك أول أوسكار في سجلّ فلسطين الحافل.

هذه الجائزة الذهبية تنضم إلى قافلة من الجوائز القيّمة التي حصدها الفيلم منذ إطلاقه في عام 2024، والتي تزيد عن خمس وأربعين جائزة، من بينها جائزة أفضل فيلم وثائقي في حفل توزيع جوائز الفيلم الأوروبي لعام 2024، بالإضافة إلى جوائز أخرى من مهرجان برلين السينمائي الدولي 2024، وجوائز جوثام 2024.

حظي الفيلم بثناء نقدي واسع النطاق وتقييمات "خمس نجوم" في مختلف وسائل الإعلام العالمية، وقد تم عرضه في جميع أنحاء المعمورة، وشهدت عروضه المستقلة في الولايات المتحدة إقبالاً جماهيرياً كبيراً ونفاداً مستمراً للتذاكر. ومع ذلك، لم يجرؤ أي موزع أميركي على تبني عرضه على نطاق واسع في البلاد، والعائق الوحيد أمام ذلك يكمن في موضوعه الجريء: فلسطين.

فيلم وثائقي يقضّ مضاجع المؤسسات الأميركية

يُسلط الفيلم الضوء على الحياة القاسية للفلسطينيين في مسافر يطا، وهي منطقة تقع بالقرب من مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية المحتلة، والتي أعلنها الجيش الإسرائيلي منطقة عسكرية مغلقة. وتحت ستار هذا الادعاء، يتعرض السكان الفلسطينيون لشتى أنواع المضايقات والإرهاب من قبل الجيش والمستوطنين غير الشرعيين، وتُهدم منازلهم فوق رؤوسهم، مما يتركهم بلا مأوى.

يروي الفيلم هذه القصة المؤلمة من خلال عدسة المخرجين المشاركين، باسل عدرا، الناشط الفلسطيني الصلب، ويوفال أبراهام، الصحفي الإسرائيلي الشجاع.

إن التصوير الواقعي والمفجع للفظائع الإسرائيلية المستمرة هو ما تخشاه شركات التوزيع الأميركية وتتردد في عرضه على جمهورها. ويا للعجب، يحدث هذا في دولة تتغنى بحماية حرية التعبير وتعتبرها أساساً دستورياً مقدساً.

يكشف هذا التردد عن مدى حملة طمس الحقائق المتعلقة بفلسطين في الولايات المتحدة، والتي تتغلغل في جميع مناحي الحياة العامة، بدءاً من التعليم ووصولاً إلى الإعلام والفنون والسينما.

محو الرواية الفلسطينية في الغرب

لقد تعرضت الثقافة والتاريخ الفلسطينيان لمحاولات دؤوبة لطمسهما منذ عام 1948، حيث سعت إسرائيل جاهدة لتبرير استيلائها على الأراضي من خلال الترويج لمزاعم زائفة بأن الفلسطينيين لا وجود لهم ولا يحق لهم المطالبة بأرضهم التاريخية. وقد هيمنت هذه الرواية المضللة على الرأي العام في الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

إن الحفاظ على هذا السرد الكاذب أمر بالغ الأهمية لاستمرار الدعم السياسي الأميركي لإسرائيل. فإذا انكشف الشعب الأميركي على المزيد من الحقائق حول ما يحدث في فلسطين، وإذا ظهرت الرواية الفلسطينية في صميم وسائل الإعلام السائدة، وإذا أُتيحت الفرصة للفلسطينيين لسرد معاناتهم الناتجة عن الإبادة الجماعية والفصل العنصري، فسوف تتغير المواقف العامة بشكل جذري.

الرأي العام الأميركي بدأ بالتحول

كشفت استطلاعات الرأي التي أجريت خلال العام الماضي أن العديد من الأميركيين، وخاصة الديمقراطيين، يعارضون سياسات حكومتهم تجاه إسرائيل وفلسطين. فعندما كانت إدارة الرئيس جو بايدن ترفض دعم وقف إطلاق النار في غزة، كان غالبية الديمقراطيين يؤيدون ذلك. وقد أدى هذا الموقف المتصلب في نهاية المطاف إلى خسارة كامالا هاريس عدداً لا يُحصى من الأصوات في الانتخابات الرئاسية.

إن أي تحول كبير في الرأي العام بشأن إسرائيل وفلسطين سيجعل من الصعب على الكونغرس الأميركي الاستمرار في تمويل الجيش الإسرائيلي بمليارات الدولارات وتقديم الدعم السياسي للاحتلال والفصل العنصري.

لماذا يُنظر إلى "لا أرض أخرى" على أنه تهديد؟

الرقابة المفروضة على الفيلم لا تقتصر على كونه وثائقياً فلسطينياً، بل لأنه يروي القصة من خلال تعاون فلسطيني- إسرائيلي فريد من نوعه. لم يكن الصوت الفلسطيني وحده هو الذي عبّر عن المعاناة، بل ظهر أيضاً صوت إسرائيلي يعارض الاحتلال بشدة.

وفي خطاب مؤثر ألقاه يوفال أبراهام عند قبوله جائزة الأوسكار، قال بكلمات مؤثرة:
"عندما أنظر إلى باسل، أرى أخي، ولكننا لسنا متساويَين. نحن نعيش في نظام يُخضعه للقانون العسكري الذي يدمر حياته، بينما أعيش أنا بحرية في ظل القانون المدني. هناك طريق آخر: حل سياسي بدون تفوق عرقي".

إن سماع صوت إسرائيلي ينتقد الفصل العنصري والاحتلال أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة للمؤسسات الإسرائيلية وداعميها في الغرب، حيث يتعارض ذلك مع السردية السائدة التي تصور إسرائيل كـ"بوصلة أخلاقية"، وتدعي أن كل الفلسطينيين يسعون إلى إبادة اليهود.

رد فعل عنيف ضد المتضامنين مع الفلسطينيين

إن اليهود الأميركيين الذين يشاركون رؤية أبراهام ويتحدثون علناً ضد إسرائيل يتعرضون للمضايقات والرقابة والاتهام بمعاداة السامية، بل والاعتقال التعسفي خلال المظاهرات السلمية.

حتى أبراهام نفسه لم يسلم من العداء، حيث تم اعتباره "غير مرحب به" في ألمانيا بعد خطابه المؤثر في مهرجان برلين السينمائي في العام الماضي. وسارع السياسيون الألمان إلى اتهامه بـ "معاداة السامية"، وزعمت بلدية برلين أن فيلمه يُظهر "نزعات معادية للسامية".

وكما هو الحال في الولايات المتحدة، ضاعفت ألمانيا دعمها لإسرائيل منذ بداية عدوانها الغاشم على غزة. وبهذا التحيز الأعمى، تحولت الدول الغربية الداعمة لإسرائيل إلى عقبة كأداء أمام تحقيق السلام العادل والشامل، كما أشار أبراهام في خطابه المؤثر حين قال:
"السياسة الخارجية الأميركية هي التي تُعيق تحقيق السلام".

الفيلم حقق نجاحًا باهراً رغم كل المصاعب

على الرغم من كل التحديات والعقبات، فقد حقق فيلم "لا أرض أخرى" نجاحاً غير مسبوق.
ورغم عدم وجود موزع أميركي، قرر صانعو الفيلم المضي قدماً في عرضه ذاتياً في عدد منتقى من دور السينما، ويمكن معرفة أماكن العرض من خلال زيارة موقعه الإلكتروني.

إنه فيلم يجب أن يشاهده كل أمريكي منصف. وكما أشار باسل عدرا في مقابلة حصرية مع "ديموكراسي ناو":
"نحن جميعاً مسؤولون. أموال الضرائب الأميركية تمول تدمير مجتمعي، الذي تسارع بوتيرة غير مسبوقة خلال العام الماضي".

مأساة مسافر يطا تتفاقم

قبل أسابيع قليلة فقط من فوزه بجائزة الأوسكار، كتب عدرا بقلب دامع على وسائل التواصل الاجتماعي:
"كل من يشعر بالاهتمام بفيلم "لا أرض أخرى"، يجب أن يهتم بما يحدث على الأرض.. مسافر يطا تختفي أمام عينيّ".

دعوة للتحرك العاجل

يتعين على الأميركيين الشرفاء اتخاذ موقف حاسم، حيث لم تعد وسائل الإعلام الغربية قادرة على إخفاء الحقائق إلى الأبد، ولم يعد بإمكانها طمس الرواية الفلسطينية التي أصبحت أكثر وضوحاً وتأثيراً على الرأي العام العالمي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة